فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وخامسها: قدَّم هناك قوله: {وادخلوا الباب سُجَّدًا} على {وقولُوا حِطَّةٌ} وهاهنا على العكس.
وسادسها: قال في البقرة {نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة: 58] وهاهنا {خطِيئَاتِكُمْ}.
وسابعها: قال هنا: {وسَنزِيدُ المُحْسنينَ} بالواو وهاهنا حذفها.
وثامنهها: قال في البقرة {فأنزلْنَا} وهاهنا {فأرْسَلْنَا}.
وتاسعها: قال هناك: {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [البقرة: 58].
وقال هاهنا {يَظْلِمُونَ}.
وهذه ألفاظٌ لا مناقاةَ بينها ألبتة، ويمكن ذكر فوائِدهَا.
أما قوله هاهنا: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ} إعلامًا للسَّامع بان هذا القائل هو ذاك، وأمَّا قوله هنا {ادْخُلُوا}، وهاهنا {اسْكُنُوا} فالفرقُ أنَّهُ لابد من دخول القريَةِ أوَّلًا، ثم سكونها ثانيًا.
وأمَّا قوله هنا {فَكُلُوا} بالفاءِ وهاهنا بالواوِ، فالفرق أنَّ الدُّخُولَ حالة مخصوصة، كما يوجد بعضها ينعدم، فإنَّهُ إنَّما يكون داخلًا في أوَّل دخوله.
وأمَّا بعد ذلك، فيكون سكنى لا دخولًا، وإذا كان كذلك فالدَّخُولُ حالة منقضية زائلة وليس لها استمرار، فحسن ذكر فاء التعقيب بعده، فلهذا قال: {ادخلوا هذه القرية فَكُلُواْ} [البقرة: 58] وأمَّا السُّكْنَى فحالة مستمرة باقية فيكون الأكل حاصلًا معها لا عقيبها فحل الفرق.
وأمَّا قوله هناك {رغَدًا} ولم يذكره هنا؛ لأنَّ الأكْلَ عقيب دخول القرية يكون ألذ؛ لأنَّهُ وقت الحاجةِ الشديدةِ، فلذلك ذكر رَغَدًا وأما الأكر حالة السُّكنى، فالظَّاهِرُ أنَّ الحاجة لا تكونُ شديدة.
وأمَّا قوله هناك: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ} وهاهنا على العكس، فالمرادُ التَّنبيهُ على أنَّهُ يحسن تقديم كل واحد منهما على الآخر، لأنَّ المقصُودَ منهما تعظيم اللَّهِ تعالى وإظهار الخُضُوعِ، وهذا لا يتفاوتُ الحال فيه بحسب التَّقديم والتَّأخير.
قال الزمخشريُّ: التَّقديمُ والتأخيرُ في وقُولُوا وادخُلُوا سواء قدَّمُوا الحِطَّة على دخول الباب، أو أخَّرُوَاها فهم جامعون في الإيجاد بينهما.
قال أبُو حيَّان: وقوله: سواءٌ قدَّمُوا أو أخَّرُوها تركيب غير عربي، وإصلاحه سواء أقدَّمُوا أمْ أخَّرُوا، كما قال تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} [إبراهيم: 21].
فصل:
قال شهابُ الدِّين: يعني كونه أتى بعد لفظ سواء بأوْ دون أمْ، ولم يأتي بهمزة التسوية بعد سواء وقد تقدَّم أنَّ ذلك جائز، وإن كان الكثيرُ ما ذكره وأنه قد قرئ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة: 6] والرَّدُ بمثل هذا غير طائل.
وأما قوله في البقرة {خَطَايَاكُمْ} وهاهنا {خَطِيئَاتِكُم} فهو إشارة على أنَّ هذه الذنوب سواء كانت قليلة، أو كثيرة، فهي مغفورةٌ عند الإتيان بهذا الدُّعاء.
وأما قوله هناك {وسَنَزِيدُ} بالواوِ، وهاهنا حذفها ففائدته أنه استئناف، كأنَّ قائلًا قال: وماذا حصل بعد الغُفْرانِ؟
فقيل لهم: {سَنَزِيدُ المُحْسنينَ}.
وأما قوله هناك {فأنَزلْنَا}، وهاهنا {فأرْسَلْنَا} فلأنَّ الإنزالَ لا يشعر بالكَثْرَةِ، والإرسَال يشعر بها، فكأنَّهُ تعالى بدأ بإنزال العذابِ القليل، ثمَّ جعله كثيرًا، وهو نظيرُ الفرقِ بين قوله: {فانبجست} [الأعراف: 160] وقوله: {فانفجرت} [البقرة: 60].
وأمَّا قوله هناك {عَلَى الذين ظَلَمُواْ} [البقرة: 59]، وهاهنا {عَلَيْهِمْ} فهو إيذان بأنَّ هؤلاء المضمرون هم أولئك، وأمَّا قوله هاهنا {يَظْلمُونَ} وهناك {يَفْسُقُونَ} فلأنهم موصوفون بأنهم كانوا ظالمينَ لأنَّهم ظلموا نفسهم، وبكونهم فاسقين، لأنَّهُمْ خَرَجُوا عن طاعةِ اللَّهِ.
قوله: {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطيائاتكم} قد تقدَّم الخلافُ في {نَغْفِر} وأمَّا {خَطِيئَاتِكُمْ} فقرأها ابن عامر {خَطِيئَتُكُم} بالتَّوحيد، والرَّفع على ما لم يُسَمَّ فاعله، والفرض أنه يقرأ {تغفرْ} بالتَّاء من فوق.
ونافع قرأ {خَطِيئَاتِكُم} بجمع السَّلأامة، رفعًا على ما لم يُسَمَّ فاعلُه؛ لأنَّهُ يقرأ {تُغْفرُ لكم} كقراءة ابن عامر.
وأبو عمرو قرأ {خَطَايَاكُم} جمع تكسير، ويَقْرأ {نَغْفِرْ} بنون العظمة.
والباقون {نَغْفِرْ} كأبي عمرو، {خَطِيئَاتِكُمْ} بجمع السَّلامة منصوبًا بالكسرة على القاعدة.
وفي سورة نوح قرأ أبو عمرو {خطاياهم} بالتكسير أيضًا، والباقون بجمع التصحيح.
وقرأ ابنُ هرمز {تُغْفَرْ} بتاءٍ مضمومة مبينًا للمفعول، كنافع، {خَطَايَاكُم} كأبي عمرو، وعنه {يَغْفِرْ} بياء الغيبة، وعنه {تَغْفِر} بفتح التَّاءِ من فوق، على معنى أنَّ الحِطَّة سببٌ للغفران، فنسب الغفران إليها. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)}.
يخبر عما ألزمهم من مراعاة الحدود، وما حصل منهم من نقض العهود. وعما ألزمهم من التكليف، ولقَّاهم به من صنوف التعريف، وإكرامه من شاءَ منهم بالتوفيق والتصديق، وإذلاله من شاء منهم بالخذلان وحرمان التحقيق، ثم ما عاقبهم به من فنون البلاء فما لقوا تعريفًا، وأذاقهم من سوء الجزاء، حُكْمًا- من الله- حتما، وقضاء جزمًا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (162):

قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
وللسياق الذي وصفت قيد قوله: {فبدل الذين ظلموا} بقوله: {منهم} لئلا يتوهم أنهم من الدخلاء فيهم {قولًا غير الذي}.
ولما كان من المعلوم أن القائل من له إلزامهم، بناه للمجهول فقال: {قيل لهم} وقال: {فأرسلنا} أي بما لنا من العظمة {عليهم} بالإضمار تهويلًا لاحتمال العموم بالعذاب {رجزًا من السماء} ولفظُ الظلم- في قوله: {بما كانوا يظلمون} بما يقتضيه من أنهم لا ينفكون عن الكون في الظلام إما مطلقًا وإما مع تجديد فعل فعل من هو فيه- أهول من لفظ الفسق المقتضي لتجديد الخروج مما ينبغي الاستقرار فيه، كما أن لفظ الإرسال المعدي ب {على} كذلك بالنسبة إلى لفظ الإنزال. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وأما الفرق السابع بين المذكور في البقرة والمذكور في الأعراف: وهو الفرق بين قوله: {أَنزَلْنَا} وبين قوله: {أَرْسَلْنَا} فلأن الإنزال لا يشعر بالكثرة، والإرسال يشعر بها، فكأنه تعالى بدأ بإنزال العذاب القليل، ثم جعله كثيرًا، وهو نظير ما ذكرناه في الفرق بين قوله: {فانبجست} وبين قوله: {فانفجرت}.
وأما الثامن: وهو الفرق بين قوله: {يَظْلِمُونَ} وبين قوله: {يَفْسُقُونَ} فذلك لأنهم موصوفون بكونهم ظالمين، لأجل أنهم ظلموا أنفسهم، وبكونهم فاسقين، لأجل أنهم خرجوا عن طاعة الله تعالى، فالفائدة في ذكر هذين الوصفين التنبيه على حصول هذين الأمرين، فهذا ما خطر بالبال في ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة، وتمام العلم بها عند الله تعالى. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الخازن:

{فبدل الذين ظلموا منهم قولًا غير الذي قيل لهم} يعني فغير الذين ظلموا أنفسهم بمخالفة أمرنا من بني إسرائيل فقالوا قولًا غير الذي قيل لهم وأمروا به وذلك أنهم أمروا أن يقول حطة فقالوا حنطة في شعيرة فكان ذلك تبديلهم وتغييرهم {فأرسلنا عليهم رجزًا من السماء} يعني بعثنا عليهم عذابًا نم السماء أهلكهم، ولا منافاة بين قوله تعالى هنا أرسلنا وبين قوله في سورة البقرة أنزلنا لأنهما لا يكونان إلا من أعلى إلى أسفل، وقيل: بينهما فرق وهو أن الإنزال لا يشعر بالكثرة والإرسال يشعر بذلك فكأنه تعالى بدأ بإنزال العذاب قليلًا ثم أرسله عليهم كثيرًا {بما كانوا يظلمون} يعني أن إرسال العذاب عليهم بسبب ظلمهم ومخالفتهم أمر الله.
وقال في البقرة: بما كانوا يفسقون، والجمع بينهما أنهم لما ظلموا أنفسهم بما غيروا وبدلوا فسقوا بذلك وخرجوا عن طاعة الله تعالى وقد تقدمت هذه القصة أيضًا في تفسير سورة البقرة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ}.
قال ابن عطية: {وبدل} غير اللفظ دون أن يذهب بجميعه وأبدل إذا ذهب به وجاء بلفظ آخر انتهى، وهذه التفرقة ليست بشيء وقد جاء في القراءات بدل وأبدل بمعنى واحد قرئ: {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرًا منه زكاة} و{عسى ربه إن طلقكنّ أن يبدّله أزواجًا} {عسى ربنا أن يبدلنا خيرًا منها} بالتخفيف والتشديد والمعنى واحد وهو إذهاب الشيء والإتيان بغيره بدلًا منه ثم التشديد قد جاء حيث يذهب الشيء كله قال تعالى: {فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات} و{بدلناهم بجنتيهم جنتين} ثم {بدلنا مكان السيئة الحسنة} وعلى هذا كلام العرب نثرها ونظمها. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ}.
بما أمروا به من التوبة والاستغفارِ حيث أعرضوا عنه ووضعوا موضعَه {قَوْلًا} آخرَ مما لا خيرَ فيه. روي أنهم دخلوه زاحفين على أستاههم وقالوا مكانَ حطةٌ: حنطةٌ وقيل: قالوا بالنبطية حطًا شمقاثًا يعنون حنطةً حمراءَ استخفافًا بأمر الله تعالى واستهزاءً بموسى عليه الصلاة والسلام، وقوله تعالى: {غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ} نعتٌ لقولًا، صرّح بالمغايرة مع دِلالة التبديلِ عليها قطعًا تحقيقًا للمخالفة وتنصيصًا على المغايرة من كل وجه {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ} إثرَ ما فعلوا ما فعلوا من غير تأخير، وفي سورة البقرة {عَلَى الذين ظَلَمُواْ} والمعنى واحدٌ والإرسالُ من فوق فيكون كالإنزال {رِجْزًا مّنَ السماء} عذابًا كائنًا منها والمراد الطاعون. روي أنه مات منهم في ساعة واحدة أربعةٌ وعشرون ألفًا {بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} بسبب ظلمِهم المستمرِّ السابق واللاحقِ حسبما يفيده الجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبلِ لا بسبب التبديلِ فقط كما يُشعر به ترتيبُ الإرسالِ عليه بالفاء، والتصريحُ بهذا التعليل لما أن الحُكم هاهنا مترتبٌ على المضمر دون الموصولِ بالظلم كما في سورة البقرة، وأما التعليلُ بالفسق بعد الإشعارِ بعلّية الظلمِ فقد مر وجهُه هناك والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ}.
لزيادة البيان أي بدل الذي ظلموا من هؤلاء بما أمروا به من التوبة والاستغفار حيث أعرضوا عنه ووضعوا موضعه {قَوْلًا} آخر مما لا يخير فيه {غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ} وأمروا بقوله و{غَيْرِ} نعت للقول وصرح بالمغايرة مع دلالة التبديل عليها تحقيقًا للمخالفة وتنصيصًا على المغايرة من كل وجه {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ} إثر ما فعلوا ما فعلوا من غير تأخير {رِجْزًا مّنَ السماء} عذابًا كائنًا منها وهو الطاعون في رواية.
{بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} أي بسبب ظلمهم المستمر السابق واللاحق، وهذا بمعنى ما في البقرة لأن ضمير عليهم للذين ظلموا والإرسال من فوق إنزال، والتصريح بهذا التعليل لما أن الحكم هنا مرتب على المضمر دون الموصول بالظلم كما في البقرة، وأما التعليل بالفسق بعد الإشعار بعلية الظلم هناك فللإيذان بأن ذلك فسق وخروج عن الطاعة وغلو في الظلم وأن تعذيبهم بجميع ما ارتكبوا من القبائح كما قيل وقال القطب في وجه المغايرة: إن الإرسال مشعر بالكثرة بخلاف الإنزال فكأنه أنزل العذاب القليل ثم جعل كثيرًا وإن الفائدة في ذكر الظلم والفسق في الموضعين الدلالة على حصولهما فيهم معًا، وقد تقدم لك في وجوه المغايرة بين آية البقرة وهذه الآية ما ينفعك تذكره فتذكر. اهـ.